نهضة الأدب في عصر الدولة الرستمية

شهدت الحضارة الإسلامية صعود العديد من الدول، مثل الدول الأموية والعباسية والعثمانية في بلاد الشام، والدول الفاطمية والإدريسية والاستوائية والرستمية في المغرب العربي، لكن الدول التي ظهرت في المشرق العربي حظيت بكامل طاقتها. الاهتمام التاريخي، على عكس دول المغرب العربي، قد يكون هذا الفشل راجعا لوجود العديد من الأسباب المختلفة، لكن عدم إبرازها تاريخيا لا يعني افتقارها للقوة أو قوة ما قدمته للبشرية على جميع المستويات، وفي هذا المقال نورد ما يلي وسيركز على جانب موجز من حياة الدولة الرستمية، وهو نهضتها الأدبية.

ولاية الرستمية

يعود تأسيس هذه الدولة إلى عبد الرحمن بن رستم، الذي ينتمي في نسله إلى بني رستم، السلالة التي حكمت الدولة لمدة 136 عامًا في مدينة تيارت، وكان يتبع المذهب الإباضي. فرع من الخوارج، ويعزو المؤرخون تاريخ الفكر “الخارجي” في المغرب العربي إلى نهاية العصر الأموي وبداية العصر العباسي، عندما كان دعاة العقيدة وعلماءها يتجهون إلى المغرب العربي لنشر فكرهم. فيها حتى انتشرت المذهب الإباضي في جبل نفوسة وبعض مناطق المغرب. نشأت دولة الرستمية في ذلك الوقت.

كانت الحياة في المغرب العربي في ذلك الوقت شبيهة بالصحراء، حيث كانت الجبال متصلة بالصحراء، وكان سكانها في الغالب من البدو الرحل، وسكن الخيام، وتربية الماشية، والتجارة على الأرض. إن بناء الأسواق والزراعة والصناعة، مثل الحدادة والدباغة وصناعة السفن والقوارب، حوّل تلك المنطقة إلى أكثر الدول حضارة في ذلك الوقت، وهذا الازدهار جعلها محط أنظار التجار والعلماء والمثقفين .

النهضة في عصر الرستمية

اهتمت ولاية الرستمية بتأسيس مؤسسات تعليمية وإقامة ندوات تربوية. وعقدت هذه الندوات في المساجد لتعليم القرآن والفقه والتفسير. كما اهتموا بإنشاء مكتبات علمية تحتوي على مجلدات في علوم مختلفة، ومن أشهر هذه المكتبات مكتبة “المعصومة” التي احتوت على آلاف المجلدات. وصله المؤرخون إلى حوالي 300 ألف مجلد، وكان الاهتمام بهذه المجلدات في مختلف العلوم مثل الطب والرياضيات وعلم الفلك والهندسة والكيمياء واللغة العربية وتعريب البربر، بالإضافة إلى مجلدات في العلوم الدينية والتفسير، الفقه والمبادئ وغيرها.

كل هذا الاهتمام من الدولة الرستمية بالحياة العلمية كان لابد أن يرافقه حياة وفيرة من التأليف والإبداع على جميع المستويات. مدح العلم وفيه قال

تحافظ المعرفة على آثار المعرفة لأهل المعرفة، وتوحي بشمس المعرفة بنار

ويبقى ذكره بهم إلى الأبد، وقد تظهر لك أرواحهم نفساً وعذارى

إنه حي وإن مات فهو عالم وتقوى. إذا كان في طريق الصالحين، فلن يمر

وكذلك الشاعر طهيرت بكر بن حماد الزناتي قال

الوقوف في القبور ونادي من يموت فيها من أعظم البلاء فيها وفي الأجساد.

قوم انقطعت أسبابهم عن الروابط بينهم وأصبحوا تحت موطئ قدم

ذهبوا جميعًا سيرًا على الأقدام وابتدعوا، ولن يذهبوا ولن يكون عليهم المغادرة

أما النثر فقد تمثل في الخطب التي كتبها الأئمة ومراسلاتهم، وكان لهم حظ كبير في النثر.