إنها قصة جميلة من قصص تاريخنا الإسلامي. هذه القصة التي سنعيش بها هذه اللحظات هي من أكثر القصص إمتاعًا. وأجملها، لما احتوت أحداثها من صفحات، وما أجملها من كبرياء ؛ ومن منطلق احترام الذات ؛ والكرامة ؛ ومن الولاء، وهو يعطينا مثالاً لما كانت عليه أخلاق المسلمين في أيامهم القديمة، وبالتالي يحفزنا على إحياء هذه المآثر في واقعنا الحالي.

الطريق أن يكون تفكيرنا على حكم الشرع. ليس من الذات والعادات والرغبات والنفس، وسلوكنا ليكون ترجمة لهذا التفكير ؛ وعملاً بهذه الأحكام. أبطال هذه القصة

أما أبطال هذه القصة الذين شكلوا محاورها الرئيسية فهم

1 – خزيمة بن بشر الفاحص الكريم.

2- عكرمة الفياض جابر أوشات، أعزائي.

3- زوجة عكرمة غيرة وذكية.

4- سليمان بن عبد الملك معرفة مصير الرجال.

فيما يلي أبرز قصتنا

في زمن سليمان بن عبد الملك، كان رجل من بني أسد يُدعى خزيمة بن بشر، مشهورًا بفروسته وكريمه وعطفه. لقد غيرهم. قال لزوجته

ابن عمي رأيت بعض إخوتي يتغيرون، وعقدت العزم على البقاء في بيتي حتى يأتي الموت لي، ثم أغلق بابه في وجهه، وعاش ليأكل ما لديه حتى نفد، وبقي في حيرة من حالته.

كان عكرمة الفياض والي الجزيرة، فعرف ما في مجلسه، وكان له جماعة من أهل البلد، فلما ذُكرت خزيمة، فقال عكرمة ما حاله

قالوا صار أشواها، وبابها مقفل، وبقيت في البيت.

قال عكرمة لم يجد خزيمة بن بشر متعاطفا ولا معادلا! قالوا لا.

فامتنع عن هذا الحديث لشيء خبأه في نفسه، ولما كان الليل أخذ أربعة آلاف دينار ووضعها في كيس واحد وخرج متنكرا في الخفاء حتى وقف على باب خزيمة وطرقه، فخرج خزيمة وقال له أصلح بهذا عملك، فأخذه ووجده ثقيلاً، فأمسك خزيمة الوحش باللجام، فقال من أنت، فديتك قال له ما جئت إليك في هذا الوقت وأريدك أن تعرفني.

قال خزيمة ولما أقبله وأخبرني من أنت

قال أنا جابر يا عزيزي العثرات، ثم انصرف.

فدخل خزيمة بيته محسسًا الحقيبة والدراهم، غير مصدق. عاد عكرمة إلى منزله، فوجد زوجته التي فاتته، فارتتابت فيها، فصفعت على خدها. فلما رآها على هذه الحال قال لها ما بك يا بنت عمي

قالت ما ظلمتم به مع ابن عمك، والي الجزيرة لا يخرج في هدوء الليل في الخفاء دون عبيده، إلا لزوجة أو محظية!

قال والله أعلم ما خرجت لواحد منهم.

قالت فأخبرني أين خرجت

قال آه، لم أخرج في هذا الوقت إلا أنني لا أريد أن يعرف أحد عني.

قالت يجب أن تعلمني.

قَالَ إِخْفِيهَا.

قالت سأفعل.

روى لها القصة على وجهها

قالت استقر قلبي.

ثم جاء خزيمة إلى الصبح فيصلح بين الخصوم وأصلح حاله. ثم أعد لسليمان بن عبد الملك. فلما حضره استأذن له، فأذن له سليمان بما يعرفه عن فروسته، فسأله سليمان عن حالته وسبب تباطؤه، فأخبره خزيمة بقصة الزائر الليلي.

قال سليمان هل عرفته

قال لا والله لأنه متنكّر، وما سمعت منه إلاّ أنه يصحح زلات الشرفاء.

لذلك كان سليمان حريصًا على معرفته وقال لو عرفناه، لكان ذلك قد ساعده في الفروسية.

ثم أمسك خزيمة بدولة الجزيرة ولعمل “عكرمة الفياض” نفسه، وكان كريمًا بهدايا، وأمره بالذهاب إلى الجزيرة.

خرج إليها خزيمة، فلما اقترب منها خرج عكرمة وأهل البلدة للقائه، وساروا جميعًا حتى دخلوا البلاد، فنزل خزيمة إلى دار الإمارة، فأمر بذلك. يؤخذ عكرمة ويحاسب، فاحسب.

قال عكرمة عندي مال في شيء منه من وجه، ولست من يحمي ماله بعرضه، فافعل ما تريد. فأمر بتقييده بالحديد، ووضعه في حبس وضيق عليه، فبقي عليه شهرًا، وكان ثقل الحديد يعبه ويؤذيه.

وصل هذا إلى ابن عمه، فاتصلت بخادمة حكيمة لها، وقالت “اذهب إلى باب هذا الأمير، فأخبرني أن لديّ نصيحة، ولا أقولها إلا للأمير نفسه، وإذا دخلت إليه فاسأل في عزلة هذا ليس جزاء زلات جابر الشريفة منك في مكافأته بالضيق والسجن. والحديد! ففعلت ذلك الأمة، فلما سمعت خزيمة كلامها قال جعلته أسوأ! خطوات سيئة منافسي الأعزاء!

فأمر من وقته فرسه وهو مثقل فركب على وجوه أهل البلد وجمعهم وسار بهم إلى باب السجن ففتح ودخل ورأى عكرمة الفياض. في قاع تغيير السجن، كان الضرر قد أنهكه. فلما نظر عكرمة إلى خزيمة والناس خزيه وأحنى رأسه. فاستند خزيمة على رأسه وقبله. رفع عكرمة رأسه إليه وقال ما عاقبة هذا منك

قال عملك كريم وأجراني سيء.

قال غفر الله لنا ولك.

ثم أمر خزيمة بحل عكرمة وخرجوا جميعاً حتى وصلوا إلى منزل خزيمة.

قال غيّرت حالتك كما أراها، ثم أمر الحمام، فأخلوا ودخلوا، ثم قام خزيمة وتولى خدمة عكرمة بنفسه، وطلب منه أن يمشي معه إلى القائد. من المؤمنين.

فساروا جميعاً حتى وصلوا إلى سليمان بن عبد الملك. ورأى قدوم خزيمة بغير أمره بقرب العهد معه فأذن لخزيمة، فلما دخل عليه قال له قبل أن يسلمه ما وراءك يا خزيمة

قال حسناً أمير المؤمنين فزت جابر فأردت أن أمسك بك لأني أعلم شوقك لرؤيته. قال ومن هو

قال عكرمة الفياض

فأذن له بالدخول، فدخل وسلم عليه وأنزله عن كرسيه، وقال يا عكرمة، كان لطفك عليه ولعنة عليك.

ثم لبى حاجته وأمره بدفع عشرة آلاف دينار، وأبرم عقدا له في الجزيرة وأرمينيا وأذربيجان، وقال له أمر خزيمة بيدك، إذا أردت الاحتفاظ به، وإذا كنت تريد عزله.

قال بل ارجعه إلى عمله يا أمير المؤمنين، ثم رحلوا جميعًا، وكانوا لا يزالون يخدمون سليمان في خلافته.